اليَوم يَومٌ جَمِيلٌ جِدًّا، نَامَتْ فاطِمةُ بعْدَ صَلَاةِ الفَجْرِ ثمَّ اِسْتَيقَظَتْ السّاعَةَ السَّابِعةَ، واسْتَيقَظَ ولدُها الصَغِيرُ مَعَها. قالتْ فاطِمةُ: أصْبَحنَا وَ أصْبَحَ المُلكُ لِلّهِ رَبِّ العالَمِينَ، اللَّهُمَّ إنّي أسْأَلُكَ خَيرَ هَذَا اليَومِ، فَتْحَهُ وَ نَصْرَهُ، وَ نُوْرَهُ، و بَرَكَتَهُ، وَهُداهُ – اللَّهُمَّ إنّي أسْأَلُكَ العَفْوَ وَ العافِيَةَ فِي دِينِي وَ دُنيٰايَ وَ أهلِي، وَ مالِي وأعُوذُبِكَ مِنْ شَرِّ ما فِي هذا اليَومِ و شَرِّ ما بَعْدَهُ، أَستَغْفِرُ اللهَ وَ أتُوبُ إِلَيهِ. فقالَ وَلَدُها : آمِين، يا رَبَّ العالَمِينَ! لا إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ مُحمَّدٌ رَسُولُ اللّٰهِ!
قَالَتْ فاطِمَةُ : ما شَاءَ اللهِ ، الحَمدُ لِلّٰهِ! بارَكَ اللهُ فِيكَ يا ولَدِي! ثمَّ اِبتَسَمَتْ على وجهه. عُمْرُ وَلَدِها ثلاثُ سَنَوَاتٍ، عَلَّمَتْهُ هَذه الكلماتِ الجَمِيلَةَ.
بَعْدَ ختْمِ الدُّعاء توضَّأتْ فاطِمَةُ وأَجْلَسَتْ ولدها عَلَى الحَصِيرِ، ثم ذَهَبَتْ إِلَى المَطْبَخِ، وَ وَلدُها يَلْعبُ فِي الغُرفَةِ بنفسه. فكَّرت فاطمةُ وهِيَ تَطْبَخُ: سأُعَلِّمُ وَلدِي الصَّغِيرَ سُورَةً قصيْرةً مِنَ القُرآنِ بعد الطبخ إنْ شَاءَ الله.
قَامَ ولدُها الصغيرُ مِنَ الحصِيرِ وهو يُرِيدُ أَن يهدي شيئا إلى أمه، فذَهَبَ إِلى الطاوِلةِ وَ نَظَرَ إِلى حقِيبِةِ أمِّهِ عَلَى الطَّاوِلةِ، وكانَتِ الطاوِلةُ عَالِيَةً وصَغِيرَةً، ففَكَّرَ الولد:كَيفَ يَأخُذُ الحَقِيبةَ منها؟ رآي كُرسِيًا بِجانِبِ الطاولةِ، وكانَ الكُرسيُّ غَيْرَعالٍ فَرَكِبَهُ، ثُمَّ رَكِبَ الطَّاوِلةَ مِنَ الكُرسِيِّ و أخَذَ الحَقِيْبةَ وَ أَخْرَجَ المِفتاحَ مِنها، ثُمَّ نَزَلَ منَ الطّاوِلةِ.
يريدُ وَلدُ فاطمةَ الصغيرُ أن يَخرُجُ مِنَ البَيتِ الآنَ فتَقَدَّمَ إِلى الباب، وكان البابُ مغلقًا، عليه قفلٌ صغير، فَرَكِبَ مِنضَدةً بِجانِبِ البابِ وَ فتَحَ القُفلَ بِالمِفتاحِ وَ خَرَجَ مِنَ البَيتِ.
لم تشعرْ فاطِمَةُ بما فَعَلَ وَلَدُهَا خُفْيَةً، لأنَّها تَطْبخُ سمَكَةً طازَجَةً وَ بَيضَةً خالصةً في المَطبخِ. اشْتَرَى زَوْجُها هذه الأشياء وقدَّمها إليها، ثم ذهَبَ إِلى عَمَلِه صَبَاحًا. قالَ لَها زَوْجُها قبلَ الذهابِ إلى عمِلِه: كانَ وَلَدُنا صَغِيرًا، هو الآن لَيسَ صَغِيرًا، بل صَارَ كَبِيرًا الحمد للهِ، فَأطْعِمْهُ طعَامًا كثِيْرًا. ضَحِكَتْ فاطمةُ و قالت : إِنَّ زَوجِي قَالَ كلاما صَحِيحًا!
لما تمَّ عملُ الطبخِ ذَهَبَتْ فاطِمةُ إلى الطَّاوِلَةِ وَ وَضَعَتْ صَحْنَ الطَّعامِ عَلَيها. ما سَمِعَتْ صَوْتَ وَلَدِها مِنَ الغُرفَةِ ففَكَّرَتْ : لماذا وَلَدِي سَاكِتٌ تمامًا؟ فَذَهَبَتْ إِلى الغُرفَةِ وَ لم تَجِدُه هنا.
قالت في نفسه: أَينَ وَلَدِي؟ هل هو خَرَجَ مِنَ الغُرْفَةِ؟ فنَظَرَ إلى بابِ البيتِ و وجده مَفتُوحًا. فقَالَتْ : يا اللهُ! وَلَدِي خَرَجَ مِنَ البَيتِ!
خافَتْ فَاطِمَةُ جِدًّا وَ بَكَتْ قائلًا: إنَّ لِلَّهِ وَ إِنَّ إِلَيهِ راجِعُونَ! اللهُمَّ احفَظْنا! اللّٰهُمَّ أجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي، و أخْلِفْ لِي خَيرًا مِنها.
ذهبتْ فاطِمَةُ مِن بَيتٍ إِلى بَيتٍ وسَأَلَتِ الناسَ : هَلْ رَأَيتُم وَلَدِي؟ قالُوا :لا، ما رَأَينَا، فجلَسَتْ عَلى الأرضِ وَ قالَت : أللّٰهُمَّ رَحمَتَكَ أَرجُو، اللّٰهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَ العَجزِ وَ الكَسَلِ. يا اللهُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبحانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ.
رَأَتْ فاطمةُ الطَّيورَ الكَثِيرةَ بجانِبِ دَغَلٍ فِي الملعبِ أمَامَ المَنزِلِ، فذَهَبَت هُناكَ وَ وجَدَتْ وَلَدَها يجلِسُ عَلَى الأرضِ و يُطْعِمُ الطّيُورَ قِطْعَةَ الخُبزِ.
طارتْ فاطِمَةُ إِلى وَلَدِها وضَمَّتْهُ إلى صدرها ثم سَأَلَتْهُ : يا وَلَدِي! ماذا تَفْعَلُ هُنا؟ أجابَ ولدُها الصغيرُ : خَرَجْتُ مِنَ البَيتِ، لِأَنِّي أرَدتُ أَن أُحْضِرَ لَكِ زَهرَةً. خُذْ يا أمِّي هذِه الوَردَةَ.
بَكَتْ فاطِمَةُ لمَّا سمِع من وَلَدِها هذا و نظرت إلى الوردة.